مصارحة وتنظيم الاختلاف
قمّة الرياض: مصارحة وتنظيم الاختلاف
القمة الثلاثية التي جمعت رئيسيْ مصر وسوريا وملك السعودية، في الرياض أول من أمس، ستبقى الحدث العربي الأبرز، من الآن حتى انعقاد القمة العربية المقبلة في الدوحة أواخر الشهر الجاري. والنقاش الذي جرى خلالها، بحسب مصادر متابعة، تطرق إلى مسائل كثيرة تحتاج إلى متابعة، ولا سيما ما يخص تنقية الاجواء الملبّدة في سماء العلاقات العربية، علماً بأن التطورات الجارية الآن على أكثر من صعيد لا تمثل في هذه اللحظة تحولاً استراتيجياً بقدر ما تعكس حجم التبدّلات القائمة عالمياً، ما ينعكس حكماً على أداء العرب من حلفاء الولايات المتحدة الاميركية وخصومها.
وقد اقتصر الاجتماع الثلاثي على القادة، لأن الموضوعات التي نوقشت تحتاج إلى قدر كبير من الصراحة التي لا توجب حضور المساعدين، وربما هذا ما جعل الصورة العامة تجمع الرؤساء والوزراء والمساعدين قبل أن يخرج الجميع ويبقى القادة وحدهم يناقشون مسائل عالقة، أبرزها ملف العلاقات الثنائية بين الأطراف الثلاثة، وقد جرى تبادل اللوم والعتاب في مسائل كثيرة، لكن الأساس هو أن الجميع كان بصدد تجاوز الأمر نحو مرحلة جديدة من العلاقات، وهو ما يشير من جديد إلى أن الحدث له أسبابه غير العربية، وهو أمر تدركه سوريا جيداً، وكذلك مصر والسعودية، ما يبقي الخلافات حول المسائل الجوهرية قائمة إلى حين نضج مجموعة من التحولات، علماً بأن السعودية تحاول تقديم صورة مختلفة عن صورة مصر التي تجد نفسها «في حشرة» إزاء متابعة الملف الفلسطيني، إذ هي تسعى إلى استثمار كل شيء من أجل تثبيت مرجعية وحيدة ومطلقة، في ما خص الملف الفلسطيني، كما تسعى لاستثمار اجتماع الرياض في هذا السياق.
إلا أن الأمر الأهم هو المتعلق بالقمة العربية المقبلة في قطر، إذ تريد السعودية ومصر خروج القمة بأقل الخسائر الممكنة، ويبدو أن اللغة المستخدمة حتى الآن توحي بأن هناك رغبة سعودية ـــــ مصرية (مع محاولة حصر الاعتراض بمصر) في أن تتخذ قطر مجموعة خطوات في سبيل ترطيب الأجواء مع القاهرة، ما يجعل المطالب المصرية أقرب إلى الشروط التي لا يبدو أن قطر في وارد الاستجابة لها، ولا سيما أن في قطر من ينظر بعين القلق إلى محاولة احتواء التحولات والتطورات في الموقف العربي، الذي قام بعد عدوان غزة لإعادة الأمور إلى سابق عهدها، إضافة إلى أنَّ قطر ليست في وارد تسجيل تراجعات في برامجها وخطواتها الخاصة بمشروع إعادة إعمار غزة.
ومع أنَّ المصريين نجحوا في إبعاد قطر عن قمة الرياض المصغّرة، إلا أن ذلك لم يحل المشكلة. ويبدو أن اجتماع الرياض لحظ هذه النقطة، وقد شرح الرئيس السوري الأمر من زاوية أنه لا يمكن إبعاد قطر عن المساعي، فهي أدّت دوراً كبيراً ولا تزال، وهي البلد الذي سيستضيف القمة العربية المقبلة. وعلى هذا الأساس يبدو أن هناك جولة جديدة من المساعي قد يبدأها الرئيس السوري نفسه بزيارة قريبة إلى قطر لوضع أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في أجواء قمة الرياض من جهة، والبحث في سبل تحقيق المصالحة الأشمل، بما في ذلك ترتيب قمة مصغرة أُخرى بحضور قطر قبل انعقاد القمة العربية آخر الشهر الجاري.
وإذ يبدو أن في القاهرة من يرغب في إبعاد قطر تحت عنوان أن سوريا تقوم بالأمر، فإن النقاش المصري يرتكز على اعتراضات تخصّ ما تسمّيه القاهرة «التعبئة التي تولتها قناة الجزيرة ضد الحكم في مصر، خلال مرحلة العدوان على غزة»؛ وعلى نوع العلاقات التي تربط قطر بقوى المقاومة الفلسطينية وعدم أخذها بطلبات القاهرة وغيرها لناحية اعتبار سلطة محمود عباس هي الشرعية الوحيدة للفلسطينيين؛ وعلى قلق مصر من دور قطر في مؤتمرات وبرامج الإعمار الخاصة بغزة، وخصوصاً أن الدوحة في صدد خطوات إضافية على هذا الصعيد، بما في ذلك مبادرات خاصة تصدر عن دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت قطر قد بادرت، بعد توقف الحرب على غزة، الى التواصل مع القوى النافذة على الأرض في القطاع لمباشرة عمليات الإغاثة والإعمار من دون انتظار المراقب في رام الله. وتستفيد قطر في هذا المجال من تجربتها في لبنان بعد عدوان تموز عام 2006.
وفي انتظار نضج المساعي حول العلاقات المصرية ـــــ القطرية، فإن الدوحة تجد نفسها في موقع غير متفهم لما تحوكه القاهرة أو تحاول فرضه كشروط. وقد أقدم أميرها على خطوة عملية مثّلت رسالة إلى المصريين أساساً وإلى من يحاول استبعادها عن حلقة القرار العربي أو محاولة تجاهلها. وتمثلت هذه الخطوة في قرار أميرها المشاركة شخصياً في مؤتمر «إيكو» الاقتصادي في طهران، وعقده اجتماع عمل خاصاً مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وإعلانه بعد الاجتماع عن «ارتياحه للتقدّم الذي تحرزه الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مختلف المجالات»، وقوله إن «العالم الإسلامي بحاجة إلى قوة مثل إيران، وإن الإنجازات التي تتحقق في هذا البلد تصبّ في مصلحة العالم الإسلامي».
إضافة إلى هذا الملف، فإن الملف الفلسطيني كان حاضراً بقوة في اجتماع الرياض، بينما جرى التطرق إلى الملف اللبناني، ولكن ليس كقضية منفصلة بل كعنوان جرى ذكره ضمن العناوين التي شكلت ملامح التوتر العربي في المرحلة السابقة، على أمل أن اللقاءات الثنائية وتبادل الزيارات بين القادة الثلاثة أمور سوف تسهم بتخفيف هذا التوتر
ابراهيم الامين
ارسل تعليق
No comments found.