الحق مع علي و علي مع الحق

ماذا يجري داخل الكنيسه

أسقف ماروني جنوبي يروي لـ"النشرة" كيف أن مواقف صفير حيال الانتخابات تنذر بانقسام كنسي ويكشف أسماء مطارنة يتّحدون لمواجه البطريرك

 

 

لم يكن ينقص بطريركية الموارنة في لبنان ورعيتها، سوى استحقاق الانتخابات النيابية حتى تلفظ ادبيات طبقتي رجال الدين والسياسة فيها، آخر انفاسها. وقد يتراءى للعارف بكل خلفيات الظواهر الشجارية بين فرقاء المارونية السياسية على انواعهم، ان هذه المارونية اضحت كالمرض العضال الذي لاشفاء منه. ورغم اصرار الموارنة على قيادة المسيحيين كافة وكل لبنان على درب السياسة، الاّ ان ثمار انتاجهم السياسي منذ تأسيس دولة لبنان الكبير سنة 1920، كانت عبارة عن مسار تراجعي وصل الى الحضيض في بدايات القرن 21.
وفي حين يمر لبنان بمرحلة جديدة من الاستقلال بعد تحرّر ارضه وقرار دولته منذ عام 2005، يستقر كل من المشهد السياسي الشيعي والسنّي والدرزي على قواعد اكثرية متّحدة، تتعبثر الفرق المارونية بين محاور الخلاف الاسلامي-الاسلامي من دون ان تتعظ من وحدة كل فريق من أفرقاء هذا الخلاف. وتشكل ولاية البطريرك الحالي نصرالله صفير عنواناً لمرحلة خطيرة جداً من حياة الوطن ومسيحييه منذ انتخابه بطريركاً عام 1986. حيث حلت بالمسحيين ومن خلالهم بكل اللبنانيين النكبة تلو الأخرى، وصولاً الى الهزيمة العسكرية والسياسية شبه الكاملة في الطائف سنة 1989. لتليها مرحلة القمع والاستبعاد في عصر الافلاس الشامل وطنيا واقتصادياً بعد انتهاء الحرب سنة 1990.
ما هذه المقدمة عن مسار الموارنة السياسي التاريخي الحديث الا للتمهيد لحجم المعلومات المتوافرة لـ"النشرة" عن تطور الصراع الحالي بين المرجعيات السياسية والدينية المارونية حتى وصل هذا الصراع الى داخل الجسم الكنسي الماروني، وهو آيل الى المزيد من "التفجير المتصاعد" حتى انتهاء "ازمة" الانتخابات النيابية.
وفي هذا الاطار يصف احد المطارنة الموارنة الجنوبيين لـ"النشرة" تحذير البطريرك صفير الاخير للمسيحيين من تأييد المعارضة المسيحية في الانتخابات بانه يجسّد "قمة الانحياز الضيق للبطريرك في زواريب الانتخابات والمرشحين واللوائح، ما يشكل سابقة تاريخية لم يقدم اي بطريرك ماروني في تاريخ الطائفة المارونية عليها. وفي وقت تعهد صفير لرئيس الجمهورية بان يكوّن له كتلة نيابية مسيحية من الموالاة بصفة مستقلين، ليس من المعقول ان يصبح البطريرك مهندس تركيب لوائح وتبنّي مرشحين، ومناصرة هذا لاسقاط ذاك. ويرى هذا المطران أنه "لو كل منا في ابرشيته فعل ما يفعله هو في بكركي لخربت الدنيا واصبحنا محرّضين للمسيحيين على بعضهم البعض". ويتابع الأسقف: "ماذا بقي لكينستنا من دور الاب والمصلح والموفّق الجامع للابناء المنقسمين. لا يمكنني ان اصدّق ان سيّدنا اسقط كل هذه المعايير والمبادئ بتصريح واحد" ولكن الدهشة لا تطول لدى الاسقف الجنوبي الذي يعزو سلوك صفير الى طريقة تفكيره. ويتحدث عن الابعاد السياسية التي تحكم به. فهو "يحب العائلة المالكة السعودية ويعتبر ان لها علاقات تاريخية مع بكركي مما يجعل تجنب اي خلاف معها خطاً احمر. كما يرى ان مصر لم تعد بعد عبد الناصر تشكل تهديداً للبنان. وان العلويين في سوريا اقلية لا يجب ان تحكم" ويكشف الاسقف الماروني عن اعتماد صفير منذ اكثر من سنة وبمعاونة امين عام مجلس المطارنة الموارنة الاب ريشار ابي صالح حملة "تشجيع للمستقلين" على الترشح للانتخابات النيابية. "وقد عقد ابي صالح لهذه الغاية اجتماعات مكثفة مع عضو لقاء قرنة شهوان سمير عبد الملك والنائب الأسبق صلاح حنين الذي تعهد بتأمين موافقة رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط على معادلة اللوائح الوسطية". ويروي الاسقف انه بعد مواقف رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية ضد صفير العام الفائت دعا البطريرك الى اجتماع عام للاساقفة والرؤساء العامين الموارنة في بكركي بغية افهامهم ان البطريركية تتعرض لهجمة شرسة ويجب "ان نتعاضض في وجهها، وساد الاجتماع جوّ من التوتر لأن صفير كان يطلب منا موقفا معاديا لكل من ينتقده، وقد لاذ الجميع بالصمت رغم استيائهم باستثنائي، فلقد حاولت ان اشرح له انني اواجه في ابرشيتي الجنوبية أزمة يومية بسبب مواقف بكركي وان عليه ان يلتفت الى هذا الامر. ثم ذكّرته بانحيازه لفريق "14 آذار" (والكلام دومًا للأسقف الماروني) فاجابني بان فريق "14 آذار" يؤيده ويتواصل معه ويدافع عنه، فقلت: "الامر شخصي اذاً، وقد ايّد العديد من الاساقفة رأيي وانتهى ذلك الاجتماع بدون أي نتيجة".
ويذكر الاسقف الجنوبي ان الوضع داخل مجلس المطارنة مأزوم والعديد من الاساقفة يطلبون من الفاتيكان التدخل وان الحالة الأسقفية المطالبة بالاصلاح الكنسي تتسع يوماً بعد يوم في صفوف الأساقفة الكبار المنتخبين قبل ولاية صفير البطريركية وقسم اساسي من الاساقفة الجدد، وهي تضم المطارنة التالية اسماؤهم:
شكرالله نبيل الحاج، الياس نصار، سمير مظلوم، انيس ابي عاد، منصور حبيقة، يوسف مسعود، يوسف حتي، ريمون عيد، جورج اسكندر، فرانسوا عيد.
ويلاحظ من الاسماء ان معظم المطارنة المعترضين يمثلون ابرشيات الأفرقاء الذين يتملّكهم هاجس استياء الرعايا وابتعادها عن الولاء للمرجعية المركزية في بكركي، اما الاساقفة الذين يكتمون اعتراضهم فأغلبهم من الطامحين للحلول مكان صفير في السدة البطريركية.
ويؤكد الأسقف الجنوبي ان استمرار الخلاف بين الأساقفة الموارنة والبطريرك صفير ينذر بانقسام حاد واستثنائي في جسم الكنيسة والمجتمع المارونيين. وان المعالجات المحلية لم تعد تجدي "فهو لا يريد ان يسمع شيئاً فنحن في وادٍ وهو في وادٍ آخر، نحن نتواصل بشكل كامل مع الفاتيكان لأن الانتخابات المقبلة قد تفجّر البلد وسيدنا جعل من بكركي شريكاً فيها فاما ان يهزم المعارضة المسيحية واما ان تهزمه، وفي الحالتين امر من الآخر، ونحن ورعيتنا ووطننا سندفع الثمن. موقفه يخالف التعاليم الدينية والكنسية والانسانية وينزع عن بكركي صفة المرجعية الوطنية فهي فشلت في ان تكون مرجعية مارونية وليس مسيحية عامة. ونحن لن نسكت والفاتيكان لن يسكت".
وفي حين تمضي الانتخابات نحو موعدها المحدد بجوّ تنافسي ما زال يتسم حتى الان بالهدوء. لكن "البطريرك صفير لن يتوقف بحسب اساقفته عن اطلاق المواقف الانقسامية الداعمة لفريق سياسي انتخابي معين، ومحاربة فريق آخر، واذا لم يعترض احد من الاساقفة سبيل هذا السلوك للبطريرك، فان التراشق بينه وبين المعارضة المسيحية لن يكون مسبوقا ولا هادئاً ولا بين المعارضة وبين مسيحيي الوسطية و"14 آذار"، وهو مرشّح لأن يتصاعد، ولن يخرج منها مسيحيو لبنان بخير ومعهم المجتمع اللبناني ككل. فهل تنجح مناشدة الاساقفة للفاتيكان بوقف "الانحياز" البطريركي الانتخابي؟

النشرة

ارسل تعليق

No comments found.

Search site

جميع الحفوف محفوظةali1.webnode.com