الحق مع علي و علي مع الحق

في مجتمع يقوده الموتى

في مجتمع يقوده الموتى

في مجتمع يقوده الموتى

 

كان معبّراً جداً تفاعل جمهور سعد الدين الحريري مع الطروحات التي أعلنها «تياره»، في احتفاله «التأسيسي» قبل أيام. صحيح أن مضمون الأوراق المقدمة لم يكن يحمل جديداً أو عميقاً.
بضع مقتطفات من كتب سكولاستيكية، في التربية «والاقتصاد، والسياسات الصحية والعامة. لكن، رغم ذلك، كانت ثمة محاولة لعرض وثيقة سياسية متكاملة، وكان تركيز على عناوين برّاقة، ليس أقلّها: الديموقراطية والدولة المدنية، لكن الجمهور النخبوي المنتقى خصيصاً للمناسبة المتأنِّقة، كان يرد بشعار واحد: الله أكبر، أبو بهاء»...
طبعاً ليس حال الزعامات الأخرى أفضل مع قواعدها وجماهيرها، وخصوصاً في أوقات الانتخابات. حتى تبدو البرامج والطروحات والمطبوعات والإعلانات، كلها نوعاً من مساحيق التجميل، لواقع التماهي حتى الشخصنة، بين «شارع» الزعامة من جهة، و«شخص» الزعيم، واختزاله لطائفته من جهة أخرى. حتى إن كثيرين، من المعنيين بالحملات الانتخابية للقوى الأساسية، يتساءلون عن جدوى تلك الحملات، وعن الفائدة من الإنفاق المالي الهائل عليها: 17 مليون دولار أميركي، كلفة حملة إعلانية لأحد الأطراف الأساسية في الأكثرية الوزارية، في قطاع لوحات الطرق وحدها. ثلاثة آلاف «بانو» في كل لبنان. وأكثر من 500 «يونيبول»، وشعارات، بعضها «مسروق» من أدباء وكتاب عالميين، وبعضها الآخر «ابن بيئته» الواقعة عملياً في الشخصنة والمذهبية. ستة آلاف دولار ثمن الملقّن النظري للخطابات أو «سبيتش برومتر»، ومؤثّرات صوتية وضوئية خاصة على الطريقة الهوليودية... والجواب واحد: «الله أكبر... أبو بهاء».
حيال هذا الصورة، لا بد للمراقب أن يطرح السؤال: هل فقدت زعامات المذاهب القدرة على تسيير شوارعها؟ هل باتت فعلاً أسيرة انجرافات الوجدانات المتفلتة، والغرائز المتفجرة؟ أم هي تحصد عاصفة الريح التي زرعتها الزعامات طيلة الفترة الماضية؟ أم أن العوامل الخارجية للصراع الدائر في المنطقة باتت أكثر قدرة على توجيه «عواطف» الجماهير، من خطابات قياداتها الداخلية؟ أم أن هذه القيادات متورطة في لعبة مزدوجة، بين كلام التعبئة المذهبية والشخصانية المطروح في الحلقات الحزبية الداخلية، وبين الكلام «الصحيح سياسياً، المعدّ للاستهلاك العلني والإعلامي؟
وإلّا، فما الذي يفسر أن يكون الرد على طرح شعار «الدولة المدنية» بترداد هتافات «الله أكبر؟ وأن يكون الجواب على محاولة التقديم العصري الحضاري الديموقراطي تأكيداً على إطلاقية الشخصانية الفردية والحصرية؟
إشكالية لا بد أن يتوقف عندها ملياً قادة الأطراف الأساسية في لبنان، وخصوصاً قيادة التيار الحريري. وذلك من زاويتين اثنتين: أولاً كيف لهذا التيار أن يتمايز عن الأصولية المذهبية التي تشكل عصب قاعدته السنية، بحيث يحافظ على علّة وجوده «خياراً إسلامياً» آخر تجاه الغرب، في مقابل البنلادنيّة وتوابعها؟
وثانياً كيف لهذا التيار، أن يحتفظ في طيات تركيبته تلك، بنواب ووزراء من طوائف أخرى ومذاهب أخرى، وخصوصاً من المسيحيين، من دون أن تجعلهم شعارات الشارع الحريري وهتافات جمهوره، يحسّون أنفسهم في موقع «الذمية السياسية»، أو في حالة «انكشاريّة الباب العالي»؟
حال الشوارع الأخرى والزعامات الأخرى، ليست أفضل. لكن أياً منها لا يدّعي قدرته على الحكم لوحده، ولا يهدد بترك الحكم للآخرين ليحكموا لوحدهم. وهذا الواقع هو ما يجعل مهمة الحريرية السياسية، أكثر دقة ومسؤولية.
بقول أحد المفكرين إن كل مجتمع يصيبه التقادم، يصير في واقع يقوده الموتى لا الأحياء. فهل لنا أن نأمل تطوير قيادة الموت على الأقل؟

 

جان عزيز

ارسل تعليق

No comments found.

Search site

جميع الحفوف محفوظةali1.webnode.com