صراع الرئاستين يحتدم
السنيورة رفض من صيدا الرضوخ للابتزاز ... وجنبلاط تمنى لو أخذ الجنوب حقه
صراع الرئاستين يحتدم: مَن هو الوسيط؟
حافظ السجال بين الرئيسين نبيه بري وفؤاد السينورة على حرارته، ليزيد في تشويه صورة الدولة الآيلة نحو مزيد من التآكل والتفسخ تحت وطأة الحملات المتبادلة بين الرئاستين الثانية والثالثة، فيما يبدو أن دور رئيس الجمهورية التوفيقي اصبح هو أيضاً على المحك بعدما أخفق حتى الآن في رأب الصدع بين شريكيه في الحكم، برغم المحاولات المتكررة التي بذلها للتقريب بينهما وكان آخرها في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، التي انتهت إلى شكوك في رغبة رئيس الحكومة في إقرار الموازنة قبل الانتخابات، بل وإلى شكوك في الانتخابات نفسها.
وقد رفدت زيارة الرئيس فؤاد السينورة الى صيدا السجال الناشب بمادة إضافية، لا سيما أن هذه الزيارة تحتمل التأويل، سواء من حيث توقيتها المتزامن مع الدخول في موسم الانتخابات النيابية، او من حيث دلالاتها لما تتسم به مدينة صيدا من خصوصية عائدة الى كونها بوابة الجنوب وامتداده الحيوي. وقد اختار رئيس الحكومة هذا المنبر الجنوبي ليوجه عبره رسائل حادة الى عين التينة، رد عليها المقربون من رئيس المجلس بعنف، في ظل انسداد أفق التسوية، بينما حافظ النائب وليد جنبلاط على لهجته الهادئة، مختاراً ان يبقى على مسافة من المعركة الكلامية بين الرئيس بري وفريقه والرئيس السينورة وفريقه، بل لعله يميل نحو الاول كما أوحى قوله أمس بأنه كان يتمنى أن ينال الجنوب حقه.
الطقس البارد الذي يلف لبنان لم يخفف سخونة التوتر السياسي، فرد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومن عاصمة الجنوب صيدا، على الانتقادات التي تناولته مؤخراً، بقوله: «لم نرضخ يوماً للترهيب والتهديد والابتزاز، ولن نرضخ له الآن، أو في المستقبل، لم نتراجع عن أهدافنا ولن نتراجع عنها، وسنظل نترفع عن الإسفاف وعن السفه والمهاترات». إلا أنه عاد وأكد ان «كُلُّ شيءٍ يمكن مناقشتُهُ ومعالجتُهُ بالحوار، وإذا لم ننجح اليوم، فسوف ننجح غداً. والعنف لا يحلُّ المشكلات، بل يزيدها تعقيداً، ويوصل لانقساماتٍ لا تنتهي، والحلول لا تتحقق لا بالسلاح ولا بالاستقواء ولا بالابتزاز ولا بالتهويل ولا بالإسفاف». وشدد على أن «الصدام السياسي الكبير الذي امتد لأكثر من ثمانية عشر شهراً حتى اتفاق الدوحة ما انتهى هناك، بل دخل مرحلةً
جديدةً ينبغي أن نتأملَّها».
كلام السنيورة جاء خلال الحفل التكريمي الحاشد الذي أقامته على شرفه «الشبكة المدرسية لصيدا والجوار»، بإشراف وزيرة التربية بهية الحريري لمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري.
مصادر السينورة: بري يفتش عن المشكلة
ونفت مصادر رئيس الحكومة بشدة أن يكون هدف الرئيس السنيورة من زيارته الى صيدا انتخابياً، وقالت لـ«السفير» إن الدعوة التي وجهتها «الشبكة المدرسية» الى رئيس الحكومة لزيارة صيدا من أجل تكريمه تعود الى ما قبل 10 أيام ولكن ما أعطى نكهة لهذا التكريم هو الهجوم الذي يشنه الرئيس نبيه بري على الرئيس السنيورة، الأمر الذي دفع البعض الى المشاركة من تلقاء أنفسهم في حفل التكريم تضامناً مع المحتفى به.
واعتبرت المصادر أن الفعاليات الجنوبية تتعرض لتضليل سياسي، يمارسه الرئيس بري لتحقيق أهداف انتخابية، والدليل على هذا التضليل اتهام الرئيس السنيورة بأنه يريد إقفال مجلس الجنوب، في حين ان هذا الأمر لا يعبر عن موقف شخصي له، بل هو التزام حكومي شارك فيه حزب الله وحركة أمل اللذان التزما في البيان الوزاري بإقفال مجلس الجنوب، بعد أن تدفع له كامل متوجباته على قاعدة قانون 2001، ورئيس الحكومة ينفذ ما تعهد به على هذا الصعيد، فأقرت مؤخراً سلفة للمجلس بقيمة 40 مليار ليرة، معطوفة على سلفتين مماثلتين سددتا سابقاً، بينما يصر رئيس مجلس النواب على الخروج عن الاتفاق ليطالب بإضافة جديدة تتمثل في الـ60 مليار ليرة.
كما نفت المصادر الحكومية أن يكون السنيورة قد أوقف تعويضات الجنوبيين عن حرب تموز، لافتة الانتباه الى ان الدولة دفعت منذ تلك الحرب قرابة 931 مليار ليرة لبنانية، ومنذ بداية العام الحالي أكثر من 93 مليار ليرة عبر الهيئة العليا للإغاثة التي لم تعد توجد الآن أي معاملة في أدراجها، بعدما أنجزت كل المعاملات التي وردت اليها.
ورأت المصادر ان الرئيس بري هو المستفيد الاول من السجال الحاصل مع رئيس الحكومة، لأنه يعتقد أن ذلك يساعده على التجييش الانتخابي، ولذلك يبحث رئيس المجلس عن المشكلة، والدليل انه رفض تسويتين عرضتا لحل أزمة موازنة مجلس الجنوب في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، طرح إحداها الوزير محمد شطح وطرح الأخرى الوزير خالد قباني، «ولكن التضليل لن ينفع لأن الجنوبيين يقبضون شيكاتهم، بينما الذين وعدوهم بالبناء اختفوا».
وفي ما خص إمكانية ترشح السنيورة الى الانتخابات، أكدت مصادره انه «ما زال يدرس هذا الموضوع ولم يتخذ بعد أي قرار بشأنه».
أوساط بري ترد
في المقابل، اعتبرت اوساط الرئيس بري لـ«السفير» انه «ومع تقديرنا لمدينة صيدا العزيزة علينا، فقد كان الأجدر برئيس السنيورة ان يزور قرى وبلدات جنوبية دمرت بالكامل خلال عدوان تموز وتسـتأهل ان يجول عليها رئيس الحكومة، أما إذا كان الأخير لا يجرؤ على زيارتها تخوفاً من ردود فعل أبنائها فهذا يعني ان هناك أزمة ثقة بينه وبين أهل الجنوب عليه ألا يتجاهلها».
ورداً على اتهام الرئيس بري بأنه يستفيد من استمرار السجال مع الرئيس السنيورة لأسباب انتخابية، تساءلت أوساط رئيس المجلس: لماذا لا يلجأون في هذه الحال الى قطع الطريق علينا ويقفلون في وجهنا أبواب الاستفادة، فيسارعون الى منح مجلس الجنوب حقه في الحصول على موازنته، وتحرير الهبة السعودية والتعويض على الجنوبيين عن الأموال المخصصة لهم، والتي صرفت حيث يجب ألاّ تصرف لدواع انتخابية، مشيرة الى ان رئيس الحكومة معني بأن يجيب أهل الجنوب على تساؤلاتهم حول سبب عدم تمكنهم حتى الآن من قبض الدفعات المالية المستحقة لهم لإعمار او لاستكمال إعمار المنازل المهدمة.
واستهجنت أوساط بري القول إن الاصوات التي أرتفعت ضد مواقف الرئيس السينورة في صيدا جرى تحريكها، معتبرة أن هذا الكلام ليس مقبولاً لأنه يشكل إهانة للناس وللقوى التمثيلية المنتخبة.
وحول قول رئيس الحكومة إن حركة أمل وحزب الله وافقا في البيان الوزاري على إقفال مجلس الجنوب بعد حصوله على المتوجبات المستحقة له، لفتت الأوساط الانتباه الى أن الإقفال يصح عندما تكون هناك حكومة قادرة على القيام بواجباتها تجاه الناس»، ولكن بعد تجربتنا في الحكم في أعقاب حرب تموز لم نعد نستطيع الاطمئنان الى إدارة كهذه، وبالتالي فإن وظيفة مجلس الجنوب ما تزال حيوية وضرورية».
سعد: أهلاً بأم المعارك
الى ذلك، أبلغ رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد «السفير» ان المواقف التي أدلى بها الرئيس السينورة خلال الكلمة التي ألقاها في صيدا، تؤدي الى توتير العلاقة بين عاصمة الجنوب والجنوب، وهذا ليس في مصلحة الصيداويين بتاتاً.
وحول موقفه من احتمال ترشح الرئيس السينورة الى الانتخابات النيابية عن صيدا، قال: أهلاً بـأم المعارك.
جنبلاط: نتمنى لو أخذ الجنوب حقه
في هذا الوقت، واصل النائب وليد جنبلاط إظهار تمايزه في النبرة الهادئة عن بعض حلفائه في قوى 14 آذار، وهو اعتبر خلال جولة له على بعض بلدات الجبل ان «صفحة أحداث السابع من أيار قد طويت، واتفقنا في الدوحة على كلام التهدئة، وبعد الحادثة الفردية التي حدثت الأسبوع الماضي أثبتت الدولة وجودها ـ كالعادة - والعدالة تأخذ مجراها والجناة اعتقلوا واعترفوا. لا ملاذ لنا إلا الدولة ولا مناص إلا العدالة والجيش وقوى الأمن، مع أسفنا الكبير على الكلام الخارج عن التهدئة في هذين اليومين بين أقطاب كبار نحترمهم في السياسة، وكنا نتمنى لو أن قضية الموازنة حُلَّت وأخذ الجنوب حقه وكل لبنان حقه، لأن الموازنة في النهاية ستأخذ مجراها، وأتمنى أن تحل أزمة الموازنة خارج إطار السجالات». وشدد على أن «كل شهداء السابع من أيار أنتجوا الاتفاق برغم تباين الخنادق غير المتوازنة».
جريدة السفير
ارسل تعليق
No comments found.