تغطية الزملاء ورفض
مجلس القضاء اليوم: تغطية الزملاء ورفض «الشائعات
سافر القاضي سعيد ميرزا، أمس، إلى تشيكيا التي لا يشبه هدوؤها الضجيج الذي يؤرق الجسم القضائي. وتتجه الأنظار إلى ما ستقرره أعلى السلطات القضائية في شأن الجدال حول مسؤولية القضاء اللبناني عن إطالة أمد اعتقال الضباط من دون دليل أو تهمة
لا تبدو مغادرة القاضي سعيد ميرزا، أمس، مفاجئة لزملائه في مجلس القضاء الأعلى، وفقاً لما تؤكده مصادر قضائية رفيعة مقرّبة من النائب العام. كان الموعد محدداً سلفاً، منذ أسبوعين تحديداً، أي قبل أي حديث إعلامي، أو سياسي، أو حتى قضائي، عن اقتراب خروج الضباط الأربعة من السجن.
لكنّ سفر ميرزا مثّل مادة دسمة لخصومه، في سياق الحرب الصغيرة عليه، التي تصاعدت تدريجاً في أعقاب خروج الضباط الأربعة من السجن. وبناءً على معلومات المقرّبين من ميرزا، فإن سفره، الذي لم يسلم من الشائعات، لا علاقة مباشرة له بجلسة مجلس القضاء الأعلى المرتقبة اليوم، وتالياً لا تمتّ إلى الضوضاء الإعلامية الكثيفة التي تلت خروج الضباط من السجن. كل ما في الأمر أن ميرزا شق طريقاً عبر العاصفة التي تهاجم القضاء لزيارة أحد المراكز الطبية في كارلوفيفالي (تشيكيا)، ولا سيما أنه أُصيب بعارضٍ صحي في شباط المنصرم، نقل على أثره إلى مستشفى أوتيل ديو في الأشرفية. ومن باب الصدف أن ذلك العارض المفاجئ الذي أصاب ميرزا حينها كان أثناء اجتماع مجلس القضاء في قصر العدل، وهو ما لن يحصل اليوم بطبيعة الحال، فميرزا لن يكون حاضراً.
المتوقع اليوم؟
وسط هذه الأجواء، شُغلت الأوساط السياسية والقضائية أمس بسلسلة من الاتصالات التي تخص جلسة اليوم، بين معارضين يصرّون على ضرورة قيام مجلس القضاء بخطوة معينة، وبين موالين يقولون إن القضاء يجب أن لا يخضع لما سمّوه «الابتزاز السياسي»، علماً بأن أجواء مجلس القضاء لا تشير إلى نيّة إجراء تأديبي بحق أحد. ولا يبدو أن القوى الفاعلة في المعارضة تتجه صوب تصعيد يتجاوز المواقف الإعلامية والسياسية. وهو ما جرى التثبّت منه أمس لناحية أن اقتراحات بعض المعارضين نقل الاعتراض إلى الشارع ليس أمرا مرحّباً به لدى القوى السياسية الفاعلة.
إذا كان صعباً على مجلس القضاء رفع الغطاء عن قضاة بارزين في موقع خاص، مثل القاضيين ميرزا وصقر صقر، فإن البعض ينتظر موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي من المفترض أن يستقبل رئيس مجلس القضاء الأعلى غالب غانم بناءً على طلب الأخير. لكن، ليس معروفاً ما إذا كان سليمان سيشجع على خطوة ما. وثمة تداول غير واضح في أفكار عدة، من بينها أن مجلس القضاء، في ظل غياب رئيس هيئة التفتيش القضائية، الذي لا يزال موقعه شاغراً، ربما يدرس اقتراح تأليف لجنة تستمع إلى الضباط الأربعة وموكليهم، علماً بأن الأمر ليس من اختصاصه وليس هناك سابقة. لكن، الهدف هو تكوين رأي يقابل رأي القضاة المعنيين قبل اللجوء إلى أي تدبير. ونبهت مصادر قضائية إلى أن الحديث عن تعديل القانون وإلغاء المادتين 108 و363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أمر مرحّب به قضائياً، من دون أن يعني ذلك أن الآليات يجب أن تنطلق من داخل المؤسسة نفسها، ما يطرح استفسارات عدة بشأن مشروع القانون المتأخر الذي قدمه وزير العدل إبراهيم نجار. والمشروع المذكور ليس متأخراً إذا قوربت دراسة التوقيت من الناحية القانونية الصرفة، بمعزل عن أي تجاذب سياسي. وإذا ألغيت المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فإن الموقوفين الإسلاميين سيخضعون لمدة محددة من التوقيف، وكذلك بالنسبة إلى الموقوفين العاديين.
القضاء يدافع عن نفسه
ليس خفياً على أحد أن القضاء اللبناني يواجه مشكلة حقيقية من كثرة الانتقادات التي يواجهها. لكن القضاء اللبناني، الصامت حتى الآن، يرفض الشائعات رفضاً قاطعاً، على لسان مسؤولين رفيعين فيه. فلا يخرج عن صمته إلا لتوضيح هذه القاعدة: الإصرار على احترام المؤسسة القضائية، وعدم التفريط بهيبتها مهما كلف الأمر، ما يعني، بكلمات أخرى، عدم الرد على الاتهامات الصادرة عن سياسيين. أما من حيث المعلومات العملية، فيصرّ مسؤول قضائي رفيع على أن جلسة مجلس القضاء الأعلى، اليوم، ستنعقد كما هو مقرر لها، والحديث عن تأجيلها هو شائعات، وخاصةً أن وجود ميرزا خارج البلاد كان معروفاً بالنسبة إلى المجلس وأعضائه. ولا ينفي المسؤول ذاته أن الصمت الذي يعتمده القضاء، على الرغم من إيجابيته في ما يتعلق بسمعة المؤسسة وعدم زجها في السياسة، لا يخلو من تعريضه لاحتمالات قد تؤثر سلباً في صورة القضاء بصورة عامة، في ضوء النزاع السياسي الحاصل. لكن وفي الإطار عينه، يرفض المسؤولون القضائيون أن تأتي «محاولات الإصلاح المزعومة» من خارج المؤسسة نفسها، ما يعني تحوّل القضاء إلى «كبش محرقة» على مذبح الانقسام السياسي الحاد. وتبعاً لتحليلات القضاة، فإن تحكّم الشارع بالقضاء أمر غير مقبول، مهما كانت الاعتبارات العاطفية في لحظة ما. وعلى هذا الأساس، فإن الحديث عن استقالات أو خروج بعض القضاة من الجسم القضائي ليس أمراً وارداً على الإطلاق في حساب مجلس القضاء الأعلى، تمسّكاً بسيادة هذا الجسم على نفسه، ومحاولة عزله عن المؤثرات السياسية العامة.
وفي الحديث عن سيادة القضاء، ذكر مسؤول رفيع أن رئيس لجنة التحقيق الدولية الأسبق ديتليف ميليس، الغني عن التعريف، طلب توقيف عدة أشخاص في قضية استشهاد الرئيس الحريري، ولم يقبل القضاء اللبناني بتوقيفهم جميعاً، لعدم كفاية الأدلة بإقناع المؤسسة العدلية أن جميع الأشخاص الذين «أوصى» ميليس بتوقيفهم هم مشتبه فيهم، وفقاً للقانون القضائي اللبناني. برزت أسماء عدة من بين الذين تحدث عنهم ميليس في ذلك الوقت، كالمديرين العامّين في القصر الجمهوري ووزارة الأشغال: سالم أبو ضاهر وفادي النمّار. وأخلى القضاء اللبناني سبيل آخرين أوقفوا بناءً على توصيات المحقق الألماني نفسه، كالأخوين عبد العال أخيراً. من هنا، انطلق المسؤول القضائي للتشديد على مسألة سيادة القضاء مجدداً.
يعيد المسؤول القضائي الاعتبار إلى القرار الدولي الناظم لعمل لجنة التحقيق، بوصفها «جهاز شرطة» لا وظيفة لها سوى مساعدة القضاء المحلي، من دون أي صلاحية بإملاء أي قرارات على سلطته، إذ لم يكن من حق القضاء الدولي رفض أي قرار أو إجراء حين كان الملف في عهدته. «كانت قرارات القضاء اللبناني نابعة من اقتناع تام»، ولا يحبذ المسؤولون القضائيون الحديث عن تدخلات سياسية في عملهم نهائياً، على الرغم من قبولهم بأن المعلومات التي توافرت على مدى السنوات الأربع المنصرمة، قبل انتقال الملف إلى لاهاي، كانت خاضعة لمعايير العدالة اللبنانية فقط.
ميليس لم يحصل على طلباته كلها
لكن هذه السيادة المفرطة، التي يصرّ عليها المسؤولون القضائيون، تزيد من رغبة الناقمين على القضاء من فريق المعارضة بالمساءلة، بسبب احتجاز الضباط لحوالى أربع سنوات، حين كان الأمر خاضعاً تماماً لسلطة القضاء المحلي. وتقول مصادر مقرّبة من أحد الضباط الأربعة، إن القاضي الياس عيد، حين كان محققاً عدلياً، كان على وشك إخلاء سبيل اللواء جميل السيد، والعميد ريمون عازار، أما الإبقاء على اللواء الحاج والعميد حمدان، فلم يكن بسبب الشبهة في التورط في الجريمة، أكثر مما كان متعلقاً بمسرح الجريمة، وما اصطلح عليه في حينه «التقصير» في أداء الواجبات الرسمية، علماً بأن التحقيقات اللاحقة استبعدت حتى هذه التهمة.
وفي العودة إلى تلك الفترة، تجدر الإشارة إلى أن تنحية القاضي عيد حصلت بسبب «الارتياب المشروع»، إذ أكّد قرار محكمة التمييز حينها أن سبب الارتياب المشروع في القاضي الياس عيد هو قسائم المحروقات التي تلقّاها من المديرية العامة للأمن العام، إضافة إلى تعاقد شقيقه مع المديرية المذكورة. كانت «استفادة القاضي عيد بصورة دورية بكمية من المحروقات من المديرية العامة للأمن العام، وما تحقّق من تعاقد بين هذه المديرية وشقيقه الطبيب جوزف عيد»، هما السببان اللذان رأت الغرفة السادسة الجزائية في محكمة التمييز، برئاسة القاضي رالف رياشي آنذاك (نائب رئيس المحكمة الدولية الآن)، أنهما يبرران الارتياب المشروع بالمحقق العدلي القاضي الياس عيد. وتالياً، قررت قبول طلب نقل الدعوى منه إلى قاض آخر. أما الأسباب الأخرى التي كان المحامي محمد مطر (الوكيل القانوني لعدنان الدهبي، أحمد المصري، زينة طراف، طارق العرب، دلال شحادة، إحسان ناصر، سعد الدين درويش، وهم أقارب لضحايا سقطوا في الانفجار الذي أودى بالرئيس الحريري)، قد ذكرها في طلبه نقل الدعوى من عيد، فقد اعتبرت جميعها من الأمور التي لا تبرر الارتياب المشروع.
ويمكن اعتبار «الارتياب المشروع» نافذةً للحديث عن مخاوف القضاة أنفسهم. «من يحمي سعيد ميرزا؟»، سأل مسؤول قضائي رفيع. ويبدو السؤال، للوهلة الأولى، محقّاً بالنظر إلى الواقع اللبناني الأمني المخيف، الذي شهده لبنان خلال بضع سنوات خلت، على أن لا تُتجاهل خلفيات السؤال التي تشير إلى ضغوط معينة، لولا وجودها، لما وجد السؤال بحد ذاته. يستفيض المسؤول القضائي في غضبه: «يطوّقون أيدي القضاء ويريدون محاسبته»، ويؤكد أنها جملة تدور في رؤوس أغلبية القضاة الذين يشعرون بأن سلطتهم مستهدفة من الفريقين السياسيّين الأساسيّين على حد سواء. وفي محاولة لتبرير بقاء الضباط في سجن رومية، أشار المسؤول إلى دعوات قام بها المحقق العدلي سابقاً صقر صقر (المفوض الحكومي حالياً)، لمواجهتهم مع الشهود المفترضين، فيما رفض الضباط ذلك رفضاً قاطعاً، ما دعا صقر إلى التعامل مع الملف كقائم، وغير منتهٍ، لكون صلاحيته القانونية تسمح له بإخلاء سبيلهم من دون العودة إلى أي مرجعٍ آخر. قانوناً، كان يجب على الضباط مواجهة الشهود استجابة لدعوة المحقق العدلي، إذا أرادوا إغلاق ثغر من هذا النوع، تسمح بإبقاء الملف قيد التحقيق. لكنّ اعتراضات الضباط، وفقاً لمصادر قضائية مطّلعة على الحادثة، كانت متعلقة برفض اللواء السيد النزول بالأصفاد لمواجهة أحمد مرعي (المتهم بالانتماء إلى تنظيم فتح الإسلام)، أو رفض اللواء علي الحاج «مواجهة المزيد من شهود الزور». ولا بد من الإشارة إلى أن صلاحية المدعي العام لدى محكمة التمييز تتيح له الادعاء. أما سلطة إخلاء السبيل، فإنها تخضع حكماً للمحقق العدلي، الذي تستقل سلطته عن السياسة وأجوائها تماماً. بعد إطلاق سراحهم من سلطة قضائية دولية، ربما، تعززت شكوك بعض اللبنانيين المؤيدين لحرية الضباط الأربعة، في القضاء اللبناني، وهو ما يجمع المقرّبون من مجلس القضاء الأعلى على رفضه اليوم، أملاً بإصلاح تشوّهات القضاء في عيون البعض.
نجّار يطلب تعديل المادة 108
أحال أمس وزير العدل إبراهيم نجار على رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون لتعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، بناءً على المداولات التي جرت في مجلس الوزراء نهار الخميس الفائت. وينص مشروع القانون على وضع سقف زمني محدد للتوقيف الاحتياطي في لبنان، ويهدف إلى الحؤول دون استمرار التوقيف الاحتياطي أكثر من 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة وبقرار معلّل يبرّر سبب التجديد. فالتوقيف الاحتياطي هو تدبير استثنائي، ويخشى إذا ما تجاوز المهلة الآنفة الذكر أن يؤدي إلى عكس قرينة البراءة التي تنص عليها المبادئ القانونية العامة.
لا شيء يحمينا إلا المؤسسات

أكّد عضو اللقاء الديموقراطي النائب فؤاد السعد «أننا أمام تلك الهجمات الشرسة التي تحاول استباحة القضاء، لا شيء يحمينا ويبقي لبنان إلا مؤسساته وجيشه وقواه الأمنية الشرعية وقضاؤه المشهود له بالنزاهة والعدالة والاستقامة، ولدينا قضاة لهم باع طويل في العمل القضائي».
لا مبرر للهجوم على القضاء

رأى النائب ميشال المر أن «هناك مؤسسة اسمها القضاء لا يجوز كلما اتخذ قرار صادر عن أحد القضاة أن نقوم بهجمة عليها. قد يكون هناك ظلم معيّن بإبقاء الضباط هذه السنوات، وهذا لا يبرّر حجم الهجوم على القضاء. علينا إبقاء احترام القضاء وأن نعي أبعاد هذه الحملة وإلى أين ستؤدي».
خطأ القضاء اللبناني

رأى وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون أن التحدي هو «إقامة دولة الحق والعدل وإصلاح القضاء وجعله سلطة مستقلة تحمي المواطنين. فلا تكون التشكيلات القضائية استنسابية ولا يكون توقيف أحد دون دليل لمدة 44 شهراً، ثم تأتي المحكمة الدولية لتصلح خطأ القضاء اللبناني الذي أوقفهم طيلة هذه المدة من دون وجه حق».

القضاء مظلة اللبنانيين
تمنّى العميد الركن ريمون عازار، إثر زيارته بكركي، «أن يبتعد القضاء عن التسييس ويكون مظلة تريح اللبنانيين وتعيد إليهم الاستقرار والثقةورداً على سؤال عما إذا كان يشارك في الحملة على بعض القضاة من أجل دفعهم إلى الاستقالة، قال عازار: «لن أدخل في تفاصيل شخصية وأسماء، لكنّ هذا التوقيف الاعتباطي والتعسّفي لمدة 3 سنوات و8 أشهر لا بد أن يتحمّله أحدهم، أو بعضهم
أحمد محسن
ارسل تعليق
No comments found.