الحق مع علي و علي مع الحق

انتخابات

المستقبل و«الإحباط السنّي»: انتحار سياسي وخدمة لخصومه

طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
غداة أحداث 7 أيار الماضي، تصدّر سياسيون محسوبون على تيار المستقبل أو يدورون في فلكه الواجهة الإعلامية للتيار ولفريق 14 آذار، للتعليق على الأحداث من وجهة نظرهم. ووصلت بهم الحال إلى حد تصوير الأمر تمهيداً لإنتاج حالة إحباط داخل الطائفة السنّية، شبيهة بالتي سادت أوساط المسيحيين في التسعينات، محذّرين من أن ذلك، إنْ حصل، سيخلخل الصيغة والميثاق والكيان معاً.
هذه المواقف كانت «أشبه بالصراخ في قربة مقطوعة»، وفق وصف أوساط سياسية طرابلسية، رأت أن «سحبها من التداول والتراجع عنها أعطى دليلاً على أن أصحابها استنتجوا سريعاً أنهم يسيرون عكس التاريخ والمنطق، وينقصهم الكثير من الواقعية السياسية في التعامل مع التطورات والمتغيّرات». ومع أن واقع الأمور وطريقة التعاطي معها خلال تلك الفترة وما تلاها اختلفت شكلاً ومضموناً، فقد أسفرت عن فتح الأبواب أمام نقاشات داخلية واسعة في صفوف التيار نفسه، وصلت إلى حد اتهام بعضهم، إن في طرابلس والشمال أو في بيروت، بـ«تضييع إرث رفيق الحريري، وعدم إيمانهم بالقدر الكافي بحجم ما يمثله التيار فعلياً، والاستسلام للخصوم قبل حصول المعركة، بدل تفويت الفرصة عليهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، وفق ما قاله مصدر مقرّب من تيار المستقبل في عاصمة الشمال.
إلا أن المصدر قدّم «تصوّراً قاتماً» لما ستؤول إليه الأوضاع إذا استمر البعض في سلوك هذا الطريق. إذ «سيكون ذلك انتحاراً سياسياً غير مسبوق في لبنان. وبدل استنهاض القواعد الشعبية وإبقاء عصبها مشدوداً ونحن على أبواب استحقاق انتخابي مفصلي، يتصرف البعض وفق حساباته الشخصية، بمعزل عن مصلحة التيار».
هذا التصور يمكن تلخيصه بالآتي:
ـــــ إن المستقبل لا يمثّل الطائفة السنّية مطلقاً، وإنه وإن حصد في انتخابات 2005، بالتعاون مع حليفيه التكتل الطرابلسي والجماعة الإسلامية، أغلب المقاعد النيابية السنّية، فإن قرابة ثلث أصوات الناخبين السنّة في ذاك الوقت وفي مختلف الدوائر كانت في المقلب الآخر، رغم الظروف الاستثنائية التي جرت على أساسها الانتخابات.
ـــــ إن زعامات سنّية بارزة لم تشارك، لأسباب مختلفة، في الانتخابات الماضية، كالرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي والوزير تمام سلام وغيرهم، وهي حالياً تسعى لاستعادة دورها الذي نازعها عليه تيار المستقبل منذ بداية التسعينات، وتعمل لإعادة بلورة حضورها إما بمنافسة المستقبل فوق حلبات انتخابية مشتركة، وإما بأن يقدم لها الأخير «خدمة جليلة» بابتعاده متذرّعاً بالإحباط السنّي.
ـــــ إذا كان شعار مقولة الإحباط السنّي قابلاً للتسويق في بيروت، وهو احتمال ضعيف، فإنه غير وارد مطلقاً في طرابلس ودائرتي المنية ـــــ الضنية وعكار بأغلبيتهما، بعد عودة العائلات الكبيرة والمتوسطة في الدائرتين الأخيرتين إلى أداء دور غُيّب عنهما قبل العودة إلى اعتماد قانون القضاء، وبدأ ذلك يفرز حيوية انتخابية لافتة لن يزيدها انسحاب «المستقبل» أو اعتكافه، إذا حصل، إلا اشتداداً.
ـــــ تكاد تكون طرابلس أكثر المناطق ابتعاداً عن التأثر بترويجة الإحباط السنّي، وتعتبر مواقف النواب محمد كبارة وسمير الجسر ومصباح الأحدب ومصطفى علوش انتخابية أكثر من أي شيء آخر. ومع أن طرابلس أعطت المستقبل بسخاء عام 2005، فإن حضوره السياسي فيها بقي غير فاعل لأسباب بنيوية. أما حضوره الاقتصادي فاقتصر على الفتات، وهو أمر يمكن تعويضه من مصادر أخرى. فضلاً عن أن الحضور السياسي المتجذر لكرامي في عاصمة الشمال، والثقل الاقتصادي ـــــ السياسي الذي يمثّله ميقاتي وبات يعدّ من خلاله منافساً جدّياً لتيار المستقبل فيها، والابتعاد التدريجي للصفدي وما يعنيه ذلك من تحميل مسؤولية للمستقبل عن فرط عقد التكتل الطرابلسي، وتراجع حضور الحركات الإسلامية، وانقسامها بين الموالاة والمعارضة، كل هذا أعطى دليلاً على أن البدائل لوراثة المستقبل في طرابلس متوافرة وجاهزة.
ـــــ تعدّ دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لكل من الرئيسين كرامي وميقاتي لأداء فريضة الحج، رسالة إلى أن الرياض بدأت تلمس عدم قدرة «المستقبل» على أداء دوره في استقطاب الساحة السنّية في لبنان بمفرده، وأنه لا بد من التواصل المتوازن مع شركاء آخرين، جرى إهمالهم أو استعداؤهم في السنوات الماضية، وبالتالي فإن فتح قنوات معهم بات حاجة ملّحة للسعودية لعدم خسارة نفوذها في لبنان

طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
جريدة الاخبار

ارسل تعليق

No comments found.

New comment

Search site

جميع الحفوف محفوظةali1.webnode.com