الحلم الكبير
الموالاة تؤجّل بحث الاستراتيجيا الدفاعيّة... وبعضها يراهن على هزيمة حماس
في اليوم الأول لمجزرة غزّة، نزل شباب 14 آذار وأضاؤوا الشموع أمام مبنى الأمم المتحدة في الإسكوا، ثم ما لبثوا أن غابوا عن ساحة التحرّكات، إذ إن قيادتهم السياسيّة وضعت نفسها في خانة النظام العربي الرسمي عبر تصريحات لنواب في تيّار المستقبل وقائد القوات اللبنانيّة سمير جعجع وغيرهم. ومنذ ذلك الوقت لم يتحرّك هؤلاء، رغم أن بعضاً منهم يرغب في العودة إلى الشارع، وهم الذين تميّزوا بدورهم السابق في تنظيم الاعتصامات.
أمّا على الصعيد السياسي، فإن أبلغ كلام يقوله أمين سرّ الأمانة لقوى 14 آذار، النائب السابق فارس سعيد: إن انتصار حماس في الحرب على غزّة سيؤدّي إلى انتصار استراتيجيا الممانعة في المنطقة، أمّا خسارة حماس، فسيؤدّي إلى انتصار استراتيجيا المفاوضات والشرعيّة الدوليّة والاعتدال العربي. ويأتي كلام سعيد، رداً على سؤالٍ عن مصير الاستراتيجيا الدفاعيّة في لبنان بعد الهجوم الإسرائيلي على غزّة.
بدوره، يقول النائب إلياس عطا الله أن الوقت الآن هو لبحث كيفيّة وقف المجزرة في غزة، لا لبحث أي موضوع يُمكن أن يُبحث في وقت لاحق، لكنّه يسأل: «ما العمل الآن؟» في ظلّ غياب الاستراتيجيّة الدفاعيّة، ويدعو الجميع إلى المزيد من العقلانيّة، كما تفعل مصر والسعوديّة، ووقف المزايدات من محور الممانعة «الذي يتاجر بدماء الناس ولا يطبّق ما يقول».
ويرى سعيد أن كلّ الأوراق المقدّمة إلى جلسات الحوار، لا تعدو كونها أوراقاً معدة للاستهلاك المحلي. أمّا الاستراتيجيا الفعليّة، في رأيه، فقد حدّد عنوانها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في الخطاب الذي ألقاه في 26 أيّار 2008، بعد يوم من انتخاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إذ قال حينها، إن استراتيجيا المفاوضات أثمرت 11 ألف أسير ولم تُحرّر الأرض، فيما استراتيجيا المقاومة والممانعة أثمرت تحريراً للأرض والأسرى. ويستمر سعيد في النقل عن نصر الله، «فدعا النظام العربي الرسمي إلى الالتحاق بنظام الممانعة». ويشير سعيد إلى أن التطور الأساسي منذ ذلك الوقت هو، إضافة إلى غزة، انضمام السوريين إلى عمليّة التفاوض مع إسرائيل.
ويلفت النظر إلى نقطة أساسيّة هي عدم قدرة حزب الله على استثمار قوّته الصاروخيّة في دعم حماس، إذ يكتفي بالتنديد والتظاهر والدعم الكلامي، وذلك بسبب القرار 1701، الذي ألغى مفعول هذه الصواريخ. وبالتالي، فإن أي كلام داخلي عن الاستراتيجيا الدفاعيّة معلّق حتى «تنقشع الأمور في غزّة، ونعرف من سيفاوض باسم الشعب الفلسطيني، ومصير فريق الممانعة في يد حماس حالياً».
من هنا، يضع سعيد 3 مصادر للخطة الدفاعيّة اللبنانيّة المقبلة: الشرعيّة الدوليّة وقراراتها، الدستور اللبناني، ومقررات القمم العربية منذ عام 2002.
أمّا مسؤول إقليم كسروان الكتائبي، سجعان القزي، فيرى أن سبب ما يحصل في غزّة هو عدم حصر السلاح في جهةٍ واحدة، «ولو كان هناك سلاح واحد في فلسطين لما حصلت المجازر البشعة بحق الشعب الفلسطيني». لذلك يرى القزي أنّ من الضروري أكثر من أي وقت آخر التسريع في إقرار الاستراتيجيا الدفاعيّة وعدم تأجيل الأمر أكثر. فمن غير المعقول أن يعقد الاجتماع كلّ شهرين للنقاش في أمر بهذه الأهميّة. ويقول المرشّح الكتائبي في كسروان إن على قيادة الجيش وضع الاستراتيجيا الدفاعيّة، ويسجل عليها السياسيون ملاحظات سياسيّة لا تقنيّة، «أمّا ما يحصل اليوم، فهو العكس تماماً».
ويعتبر القزي أن استمرار الأوضاع في غزّة في التفاقم سيؤدي إلى توسّع الأحداث بشكل غير متوقّع، «وهو أمر بدأنا نشاهده عبر تظاهرات رام الله وتحرّكات الشارع العربي التي قد تؤدي إلى الانفجار، ولذلك على لبنان الإسراع في وضع استراتيجيا تحصر السلاح في يد الدولة، حتى لا يناله جزء من الانفجار المتوقّع». ويضع قزي مشروع حلّ للعدوان على غزة، يقضي بوقف الغارات الإسرائيليّة والهجمات الصاروخيّة وتسلّم سلطة محمود عباس لزمام الأمور في غزة، واستدعاء قوات دوليّة، وذلك في سيناريو شبيه بما حصل في جنوب لبنان.
ويشير مصدر مسؤول في القوات اللبنانيّة إلى أن الأولويّة حالياً هي لكيفيّة تجنيب لبنان ما يحصل في غزة، والتصرف بحكمة «لأن لبنان لا يحمل أن يكون غزة ثانية». ويضيف المصدر أن ما يحصل في القطاع دليل على أنه لا طرف لبنانياً يستطيع أن يحمي لبنان، بل ما يحميه هو دولة ورئيس قويان، وتسليم كل الأمور للدولة، ما يؤدي إلى منع أي ثُغَر يُمكن الدخول منها إلى الوضع اللبناني.
يقول الأكثريّون إن ما يجري في غزة شبيه بما حصل في تموز 2006، لذلك فإن بعضهم يفصح عن رهانه على هزيمة حركة حماس، بما يعنيه ذلك من انهيار لفريق 8 آذار في لبنان، من خلال إعادة خلط الأوراق في المنطقة. وفي الوقت ذاته، هناك من هو محرَج مما يحصل، وقد اضطر لأن يأخذ موقفاً حاداً، مثل الجماعة الإسلاميّة، التي وضعت رجليها في طريق واحد، واتجهت صوب السفارة الأميركيّة لتتظاهر رفضاً للعدوان، في خطوة برز فيها بعض المسؤولين الشباب الذين كانوا يتململون ولا يستطيعون الدفاع عن مواقفهم عندما يقارن أحد أمامهم بين حزب الله وحماس.
ثائر غندور
ارسل تعليق
No comments found.