الحق مع علي و علي مع الحق

استدراجاً للفتنة

استدراجاً للفتنة

 

تحريض تدريبي متعمد ضد فريق لبناني في الجرائم السياسية... استدراجاً للفتنة
 

ماذا إذا بادر بارود وريفي لاعتبار «الاتفاقية الأمنية» كأنها لم تكن؟

 

 

عندما طرحت «السفير» موضوع الاستمارة الأميركية الموجهة الى وزارة الاتصالات من خلال المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، رد علينا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، وهو بالمناسبة، كان ولا يزال صديقا للجريدة، من زاوية وفاء «السفير» لصداقاتها، من جهة، واحترما لمقام الرجل ودماثته وحماسته من جهة ثانية.
لا تطرح «السفير» الأمر، إلا من زاوية مقاربتها للمصلحة الوطنية اللبنانية أولا وأخيرا، ولو تكررت الاتفاقية نفسها، بين أي مؤسسة لبنانية وأي جهة خارجية عربية أو أجنبية... فلن يكون لـ «السفير» الا الموقف نفسه.. ولو أن البعض أراد أخذ الموضوع الى مطارح مذهبية أو أراد وضع «السفير»، التي دفعت اثمانا كبيرة لتمسكها بوطنيتها وموقفها القومي في أحلك الأوقات، في خانة «صاحب الغرض» أو التغطية والتمويه.. «على الخائفين من المحكمة الدولية»!
بكل الأحوال، اذا كان ما حصل في بدايات توقيع الاتفاقية ـ البروتوكول، يجر الى سجال حول مرحلة سياسية، اتسمت بالانقسام السياسي الطائفي والمذهبي الحاد (2005 ـ 2008)، فإن بعض التعديلات للبروتوكول، حصلت في العامين 2009 و2010، وهو الأمر الذي بات يرتب على وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود، أن يكون له موقفه مما يجري في مؤسسة، تخضع لوصايته كوزير سياسي وسيادي معني بالملف الأمني.
ولعل الاطلاع على ما تحويه مضامين المتون التدريبية الأميركية التي تدرّس لضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي، في حلقات التدريب التي يخضع لها هؤلاء بموجب البروتوكول ـ الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الحكومة الأميركية ممثلة بالسفير السابق في بيروت جيفري فيلتمان وبين الحكومة اللبنانية ممثلة بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في العام 2007، يساعد في التعرف الى المحاولات الأميركية الواضحة للتأثير على ما تسمى «العقيدة الأمنية» التي تعتمدها قوى الأمن الداخلي.
بحسب هذه المضامين، يُعرّف حزب الله على انه «تنظيم إرهابي»، وكذلك بقية حركات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي (حركة حماس، الجهاد الإسلامي، كتائب شهداء الأقصى).. بينما تُعتبر دول شقيقة أو صديقة أو جارة (مثل إيران وسوريا) دولا «راعية للإرهاب سياسيا وماديا»، بدون أي إشارة، في المقابل، بأي شكل من الإشكال، إلى الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل بحق العرب أو اللبنانيين أو الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند الإجراءات المشكورة، التي أعلن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي عنها، والمتمثلة في:
ـ إرسال كتاب بتاريخ 29/3/2010، إلى مدير مكتب برامج إنفاذ القوانين الدولية في السفارة الأميركية تاديوس كونتك، وضمنه اعتراضه على ورود هذه الفقرات والمطالبة بشطبها، لكونها «تمس بالحس القومي والشعور الوطني لدى ضباطنا المتدربين»، كما جاء في نص كتاب ريفي نفسه.
ـ إصدار تعميم بتاريخ 1/4/2010، على جميع عناصر وضباط قوى الأمن بضرورة تسجيل اعتراضهم الفوري والانسحاب من أي ندوة أو مؤتمر يتم فيه التعرض لأي تنظيم لبناني شرعي أو أي من حركات المقاومة، أو عند التعرض لأي دولة شقيقة أو صديقة، تحت طائلة تعرض هؤلاء الضباط أو العناصر لتدابير قانونية وتأديبية.
وإذا كان «حزب الله» ومعه بعض قوى المعارضة، قد وضع اجراءات ريفي في الخانة الايجابية، فان السؤال المطروح، هل تعتبر هذه الإجراءات كافية فعلا، وهل يصح ترك الضباط والعناصر في قوى الأمن إلى مصيرهم لمواجهة ما يتعرضون له على أيدي المدربين الأميركيين؟ ومن ثم الطلب منهم التصدي لهذه المحاولات، وتسجيل الاعتراضات، وإلا تعرضوا هم لعقوبات قانونية وتأديبية. ألا يجدر عدم الزج بهؤلاء من الأصل في هذه المعمعة؟
وهنا نصل إلى السؤال الأساس: أليس من الأنسب أن يصار إلى اعتبار البروتوكول ـ الاتفاقية غير موجود من أصله لكونه لم يسلك المسالك الدستورية والقانونية السليمة ولم يراع حرمة مؤسسة قوى الأمن بضباطها وأفرادها ولم يحترم الحق السيادي للدولة اللبنانية وأمن لبنان، وألا يكون وزير الداخلية ومعه اللواء ريفي اذا أقدما على خطوة من هذا النوع، بمعزل عما يمكن أن يصدر من توصية عن رئاسة المجلس النيابي، سباقين الى حيث لم يسبقهما أحد، بدلا من ترك الأمر في مهب التسويات والتجاذبات السياسية؟
ومن الملاحظ أيضا أنّ كراسات التدريب، التي اعترض عليها اللواء اشرف ريفي في رسالته إلى مدير مكتب إنفاذ القوانين في السفارة الأميركية بتاريخ 29/3/2010، كان ضباط في قوى الأمن، قد استمعوا إلى شروحات المدربين الأميركيين بشأنها، خلال الدورات التي خضع لها هؤلاء، قبيل الرسالة المذكورة، ما يعني ان اعتراض ريفي جاء بعد انقضاء الفعل، وليس قبله...
وهنا سؤال إضافي يُطرح: ألم يكن الأوْلى بمديرية قوى الأمن الداخلي، أن تطالب بالاطلاع المسبق على المتون التدريبية ومناقشتها مع الجهة المدربة، ومن ثم التأكيد على شطب ما لا يتوافق مع ما تقرره السلطة السياسية اللبنانية، ممثلة بمجلسي الوزراء والنواب، أو ما يتعارض مع الحس القومي والشعور الوطني لدى الضباط والعناصر المتدربين؟.
ومن سياق الأمثلة التي تعرضها المتون التدريبية، ومنها ما يرد في المتن بعنوان «مدخل إلى الإرهاب»، وعند عرضها لما تسميه «أحداثا دولية شملت احتجاز رهائن وعمليات إنقاذهم»، يظهر أن العمليات التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية ضد الإسرائيليين، جاءت تحت توصيف «عمليات إرهابية»، وأن الجهات التي نفذتها (ومن بينها: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منظمة التحرير الفلسطينية) هي «منظمات إرهابية».
أما ما قامت به إسرائيل من عمليات اغتيال، طاولت كوادر بارزين في المقاومة (جهاد جبريل، علي صالح، غالب عوالي، الأخوين مجذوب)، فيحاول المتن التدريبي تجنب الإشارة إلى مسؤولية العدو الإسرائيلي عن تنفيذها، لا بل انه في بعض الأحيان تعمد إبراز نفي مسؤولية إسرائيل عن مثل هذه العمليات.
والأسوأ من ذلك، انه عند ذكر عملية اغتيال القيادي في المقاومة غالب عوالي، يذهب المتن التدريبي، إلى تمرير زعم أن «مجموعة سنية تُعرف بجند الشام، ادعت مسؤوليتها عن الاغتيال، إلا أن حزب الله وجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل»، علما بأن ريفي قال في مقابلة منشورة في إحدى الصحف اللبنانية بتاريخ 15 آذار 2010 ان جريمة اغتيال عوالي وقعت في العام 2004 «ولم يقدر «حزب الله» أن يفعل شيئا.. نحن من عمل واكتشف العميل الإسرائيلي ميشال عبدو المتورط بعملية اغتيال الشهيد عوالي، لذلك ليسمحوا لنا ليس هناك من وطني أكثر منا ولا أحد تعنيه القضية أكثر مما تعنينا. نحن أبناء هذه القضية فدعونا يا جماعة نستكمل شغلنا ولا تأخذوا من وقتنا لمسائل تافهة»، على حد تعبير ريفي.
إزاء ما تقدم، كيف يُسمح، في دورة تدريبية يخضع لها عناصر قوى الامن الداخلي، بالحديث عن مسؤولية «مجموعة سنية»، عن عملية اغتيال أحد كوادر المقاومة، بينما التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية، تثبت بالوقائع وقوف العدو الإسرائيلي وراء هذه العملية. وهذا ما كان أشار إليه اللواء اشرف ريفي نفسه في التصريح المذكور.
كما أنّ ما يحويه المتن التدريبي الأميركي، حول جريمة اغتيال النائب والوزير الشهيد بيار الجميل، وإشارته إلى أنّ «هذه الجريمة وقعت في خضم مواجهة محتدمة بين صانعي القانون، الذين يطالبون بالمحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري من جهة، والأطراف الموالية لسوريا من جهة أخرى، وعلى رأسها «حزب الله»، الذي يسعى إلى عرقلة قيام هذه المحكمة. وقد اتهم تحالف 14 آذار سوريا بالوقوف وراء الاعتداء». وينطبق الأمر نفسه على المتن التدريبي الأميركي حول جريمة اغتيال النائب الشهيد أنطوان غانم.
يُبرز بشكل واضح، خطورة ما يتم عرضه على المتدربين من تشويه، وتحريض متعمد ضد فريق لبناني، في قضية حساسة نعني بها المحكمة الدولية، واتهامه بالسعي لعرقلة قيام هذه المحكمة.
«مخيم نهر البارد نموذجاً»
إلى جانب ما تمثله «متون التدريب الأميركية» من خطورة، تبرز قضايا أخرى لا تقل خطورة عنها، وهي تتصل بالتسلل الأميركي، تحت عنوان الاتفاقية الأمنية، وملحقها التعديلي.. لتوريط قوى الأمن الداخلي، في صوغ مشاريع ومنظومات أمنية، وهذا ما يبرز في الملحق التعديلي للاتفاقية في بنده الثاني، بعنوان «مشروع محافظة قوات الأمن على النظام في مجتمع مخيم نهر البارد» وفيه ما جرى تمريره، في مجلس الوزراء، على انه «هبة لتعزيز تواجد قوى الأمن الداخلي في مخيم نهر البارد عن طريق بناء مركز لإنشاء فصيلة أو مخفر»..
عند التطبيق، يصبح المشروع «مشروعاً امنياً متكاملا»، يتجاوز مخيم نهر البارد الى المناطق المحيطة ببيروت، يتم تنفيذه بإشراف أميركي مباشر.. بحسب ما تؤكده المراسلات بين مدير مكتب إنفاذ القوانين في السفارة الأميركية في بيروت تاديوس كونتك ومديرية قوى الأمن الداخلي، ومنها مراسلة وجهها كونتك إلى عدد من كبار ضباط قوى الأمن الداخلي، بعد أشهر عدة على توقيع اللواء ريفي الملحق التعديلي للاتفاقية في 12 شباط 2009 (قبل أن تتم إعادة إقرار هذا التعديل في مجلس الوزراء بتاريخ 13/1/2010).
في مراسلته، يشرح تاديوس كونتك، «انه للمضي قدما في مشروع ضبط الأمن في المجتمع، تم الاتفاق على أن تشكل قوى الأمن الداخلي فريقين: الأول، يضع خطة عمل محددة لبلدية العبدة في قضاء عكار، التي تضم مخيم نهر البارد والمناطق المحيطة. والثاني، يضع خطة عمل محددة لمشروع ضبط الأمن في محيط بيروت، بحيث تحدد خطتا العمل، اللتان ينبغي ان تنجزا في غضون ثلاثة أسابيع، الحاجات على مستوى التدريب والمساعدة التقنية والمعدات لكل مشروع، فضلا عن المسح الأولي المطلوب وحملات التوعية الموجهة للمواطنين».
ويوضح تاديوس في كتابه «نحن مستعدون للمساعدة في هذين المشروعين عبر تأمين المدربين، وتقديم الدعم في جهود المسح والحملات الموجهة إلى المواطنين».
ما يظهر في سياق التطبيقات العملية لمشاريع التعاون المفروضة بموجب الاتفاقية الأمنية، وبحسب ما تبيّنه مراسلات تاديوس كونتك:
1ـ أن موظفا في السفارة الأميركية (Thaddeus Kontek)، هو الذي يتولى تحديد الإطار العام لإعداد خطط عمل، تُعنى بحفظ الأمن داخل المجتمعات اللبنانية، والتدخل في إنشاء وتوزيع فرق العمل التابعة لقوى الأمن الداخلي المعنية بتنفيذ مثل هذه المشاريع.
2ـ تطوع السفارة الأميركية للإسهام في تقديم الدعم في «جهود المسح الأولي المطلوب»، والدخول على خط «برامج وحملات التوعية الموجهة للمواطنين اللبنانيين». وهذا لا شك انه يتخطى عناوين التدريب، للدخول في صياغة منظومات أمنية وآليات تواصل مع السكان، تعكس وجهة النظر الأميركية المتعلقة بالشؤون الأمنية.
3ـ ماذا يعني الاقتراح الأميركي الدخول في مشاريع تعاون لضبط الأمن في «محيط مدينة بيروت»، وتطوع السفارة الأميركية للإشراف على الخطة المعدة لذلك. ثم، ألا يشكل هذا تجاوزا لمضمون اتفاق الملحق التعديلي، الذي حصر مشروع التعاون بمخيم نهر البارد.
هل المقصود بمحيط بيروت، ضواحي العاصمة؟ هل المخيمات الفلسطينية في بيروت تدخل ضمن هذا التحديد؟ وهل يمكن القول إن الأمن في هذه المخيمات، بموجب الملحق التعديلي، بات تحت الإشراف الأمني الأميركي المباشر؟.
4ـ أعلن الأميركيون في أكثر من بيان (بعضها منشور على الموقع الالكتروني للسفارة الأميركية، وعلى الموقع الالكتروني لوزارة الخارجية الأميركية) عن خطط تعاون وإجراءات يتم تنفيذها بالتنسيق مع قوى الأمن الداخلي في مخيم نهر البارد.. لكنهم لم يأتوا على ذكر أي شيء يتعلق بهذا التعاون في الشق الخاص بمحيط بيروت.
5ـ ألا يشكل هذا النمط من التعاون، بحسب الصيغة المقترحة في مراسلات Kontek، والذي يتم استنادا الى البروتوكول الموقع بين السفارة الأميركية وقوى الأمن الداخلي، مجالا لتعاون أمني مباشر، يتخطى الجانب التدريبي وتقديم التجهيزات وما شاكلهما.
وفي الختام، لا بأس من الاستشهاد المتكرر بشهادة وزير العدل السابق الدكتور بهيج طبارة في مقابلته الأخيرة مع «السفير» عندما اشار الى أنه من خلال مراجعة قرار مجلس الوزراء المتخذ في جلسة 9/10/2007 «يتبين ان طلب وزارة الداخلية الموافقة على قبول الهبة المقدمة من الولايات المتحدة الاميركية استند الى المادة 52 من الدستور المتعلقة بالمعاهدات الدولية وإلى قانون المحاسبة العمومية المتعلق بالهبات (...). وإذا نظرنا الى الاتفاق، كما وصفته وزارة الداخلية عند تقديم طلب الموافقة الى مجلس الوزراء، بأنه معاهدة، فإن اقراره مباشرة من قبل مجلس الوزراء ينطوي على خلل، كذلك عدم اقترانه بموافقة مجلس النواب بالنظر لما يرتبه من التزامات مالية وما تضمنه من احكام تبقى سارية المفعول لفترات زمنية غير محددة. ومن جهة اخرى، فإن الاعفاء من ضرائب الدخل ومنح الحصانات والامتيازات لغير اعضاء الهيئات الدبلوماسية والقنصلية يحتاجان الى مصادقة مجلس النواب. وما دامت هذه المصادقة لم تحصل، فإن اجراءات نفاذ الاتفاق تكون غير مكتملة»

 

السفير

استدراجاً للفتنة

No comments found.

Search site

جميع الحفوف محفوظةali1.webnode.com