ابطال ثورة البطيخ
14 آذار وانتظار المصير الأسود الذي لا بدّ منه
الانتظار، أو التفسير الوحيد الذي يمكن تقديمه لصمت الكثيرين من القوى التابعة للولايات المتحدة وجماعتها من العرب في لبنان. والتضامن الإنساني لا يضر، لكن لا حاجة الى المبالغة فيه حتى لا يأخذ تفسيرات إضافية وذات بعد سياسي. وحيث يكثر المنظرون في 14 آذار من إبداء الألم إزاء ما يحصل في غزة، فهم يكرّرون موقفاً من الحرب يشبه تصريحات غربيين وعرب من الفريق الذي يفعل ذلك لأنه يعطي الفرصة لإسرائيل كي تنجز مهمتها، فإذا أفلحت تكون أمامه فرصة النواح على الخسائر ومن ورّط الشعب الفلسطيني بها، وفي هذا السياق مسلسل يمتد من حماس والجهاد وقوى المقاومة في فلسطين، الى حزب الله والقوى المؤيّدة للمقاومة في لبنان، مروراً بسوريا راعية الإرهاب وإيران العقل العالمي المدبّر. أما إذا فشلت إسرائيل، وهو ما تشير التطورات الميدانية الى حصوله، فإن هذا الفريق سيستعد لحفلة من النفاق كتلك التي فلقونا بها على اثر توقف العدوان الإسرائيلي عام 2006. وسوف يخرج من يحصي عدد الضحايا وحجم الخسائر البشرية وحجم التراجع الذي أصاب المجتمع الفلسطيني، وخلاف ذلك من الكلام الذي يراد منه القول: نحن لا نريد المقاومة ولا نتحمّل كلفتها، وليست لدينا كرامة تتطلب هذا القدر من التضحيات.
وإذا كان في فلسطين من سيحاول تكرار تجربة الانقسام السياسي الذي قام في لبنان معطوفاً على حملة مذهبية قذرة، فإن الأمر ليس بهذه السهولة، بل يمكن توقع انهيار أكيد وسريع لسلطة محمود عباس وأعوانه، سواء الذين ينتظرون في رام الله أخبار انهيار حماس، أو أولئك الذين تحشدهم الاستخبارات المصرية عند حدود رفح بقيادة محمد دحلان، لأجل أن يقوموا بعملية تطهير القطاع متى رفعت حماس الراية البيضاء، وساعتها يقرر حاكم مصر فتح المعبر على مصراعيه، ولن يكون في انتظار مراقبين دوليين ولا من يحزنون، وهو يعرف أنه في تلك اللحظة سوف يتوقف المراقبون من الجانب الاسرائيلي عن العمل، بل هم من سيزوّد أنصار دحلان بالسلاح والسواطير لقطع رؤوس من بقي من نشطاء المقاومة على قيد الحياة.
إلا أن ذلك لا يفيد في قلب الصورة، وإذا ما كانت المقاومة في لبنان ترأف بحال جمهورها وبقية اللبنانيين في عدم معاقبة العملاء من فريق الأكثرية الذين تورّطوا في عدوان تموز ودعموا الحرب وصلّوا لإلههم أن يوفر النجاح لإسرائيل، فإن المقاومة في فلسطين لن تكون قادرة على منح العفو لأولئك، وساعتها سوف يخسر فريق 14 آذار في لبنان حليفاً رئيسياً، وسوف يبحثون عن آلية لاستخدام من يقبل من الفلسطينيين في مخيّمات لبنان، الصراخ والاحتجاج و لو بالعنف، لكن «الصغار» عندنا سوف يأملون أن يناصرهم الحلفاء في الفريق المهزوم في كل منطقتنا العربية. وفي هذا المجال، يمكن تفهّم حال هؤلاء اليوم، حتى في صلاة الجمعة، كان مفتيهم يدعو الى الوحدة وكأنه لا يعرف أن يميّز المقاومين عن العملاء والمتواطئين، حتى إن فريق 14 آذار لا يريد أن يصدّق حسني مبارك ومحمود عباس ما قاله وزير الإعلام طارق متري في ختام جلسة الحكومة الاخيرة، ولذلك لم يكن فؤاد السنيورة ليصلي الجمعة أمس من دون أن يقف إلى جانبه السفيران المصري والفلسطيني، كان السنيورة يقول لهؤلاء، إنه ومن يمثّل ليس موافقاً على أي اعتراض يقوم على سياسة مبارك في ملف غزة اليوم، وأنه ليس موافقاً على التظاهرات التي تخرج عنوة عنه، كما أنه غير موافق على أي عمل يقوم به فلسطينيون يعيشون في لبنان من خارج ما تقرّره سلطة رام الله الشرعية.
في مشهد المصلين أمس في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت، كل ما يشي بالهزيمة، المفتي يقرأ بياناً أعد بطريقة لا تتناسب وتراث دار الفتوى ولا بتراث مسلمي لبنان ولا بتراث كل من له صلة بالقضية الفلسطينية. ورئيس الحكومة يستمع الى العظة وهو يفكر بمصير نظرائه المتأهبين مع حقائبهم بانتظار نتيجة الحرب. فإذا ربحت المقاومة، سوف يطلبون من جورج بوش أن يجد لهم مكاناً على متن باخرته الخارجة من منطقتنا وهي لا تتسع لهؤلاء جميعاً. وكان هناك أيضاً سفيران يستمعان الى ما يقال ويحاولان تصديق نفسيهما بأن هذا الكلام يعبّر عن حقيقة الشارع في لبنان، وأحدهما سلك طريقاً مختصرة هرباً من تظاهرات لا تتوقف عن السير باتجاه مكتبه، وآخر لا يملك أن يواجه أهل بلده وهو الذي ما عاد يهتم سوى بياقته المرتبة حتى يكون وصفه مطابقاً لرفاقه من اللبنانيين الذين يهربون يوماً بعد يوم من أهلهم وأبناء حاراتهم ويخرجون لتمضية سهرة رأس السنة خارج لبنان وخارج المنطقة حيث يمكن الابتعاد عن أصوات ضجيج الطائرات وصراخ الجرحى الذي يملأ المكان.
بقي أمر واحد، وهو يتصل أكثر بالناس العاديين، الذين صدقوا ما قيل لهم منذ ثلاث سنوات دون أن يثبت منه أي شيء لا بالوجه الشرعي ولا بضوء النهار. وهؤلاء أمام الصدمة الإضافية، فقبل مدة، خرج إليهم طويل 14 آذار يحدثهم عن العروبة الزائفة وبرّر لهم سبب الانتقال الى الغرب الفصيح، ثم ما لبث أن وبّخهم لأنهم نسوا فلسطين في عجقة لبنانهم الصغير، ثم ما لبث أن عاد الى صمته، بالعاً لسانه الذي كان شغالاً من دون توقف في سياق حربه لإسقاط كل المقاومات وكل من يدعمها من أنظمة وجيوش وشعوب. أعان الله جمهور 14 آذار على ما بقي من أيام في عمر ثورتهم التي حملت بذور انفجارها وستلده قبل الأوان!
إبراهيم الأمين
ارسل تعليق
No comments found.