الحق مع علي و علي مع الحق

إسرائيل والتسليم الأوروبي

إسرائيل والتسليم الأوروبي

إسرائيل والتسليم الأوروبي بدور حزب اللّه

 

لم يكن قرار الحكومة البريطانية، استئناف الاتصالات السياسية مع حزب الله، قراراً متوقعاً، لكنه في الوقت نفسه، لم يكن مفاجئاً. يأتي القرار كنتيجة منطقية لفشل استراتيجيا الاجتثاث التي حكمت المقاربة الأميركية والغربية، لـ«محور الشر»، في ظل إدارة بوش السابقة. يضاف إلى ذلك، أساساً، فشل إسرائيل في إسقاط الحزب عسكرياً عام 2006، وما أعقبه من نتائج وتداعيات، ليس أقلها التنامي المطّرد لقدراته عسكرياً، والتنامي في دوره السياسي، في الساحة الداخلية اللبنانية.
في الوقت نفسه، من الصعب فصل التوجه التسووي للإدارة الأميركية الجديدة، حيال المنطقة ودول «محور الشر»، عن القرار البريطاني، رغم تأكيد الناطق بلسان الخارجية الأميركية أن «لا تغيير في التعاطي الأميركي مع حزب الله».
في الجانب الإسرائيلي، برز نوع من البلبلة التي بدا أنها غير مدروسة، أظهرت كأن إسرائيل خارج السياقات. إذ أسرعت إلى استنكار القرار البريطاني، وقال الناطق بلسان الخارجية الإسرائيلية إن «إسرائيل ترفض بصرامة الموقف البريطاني، وتأسف لأي قرار تتخذه أي دولة غربية يقضي بإجراء حوار مع ممثلين عن منظمة إرهابية مثل حزب الله».
تعد «الحركة» البريطانية حيال حزب الله، مسعى أميركياً ضمن سلسلة مساع، ستشهدها ساحات المنطقة في المرحلة المقبلة، والمقصد النهائي منها: تجزئة عناصر «محور الشر»، دولاً ومنظمات، وفك التماسك الذي يربطها. بمعنى دفع ثمن «مقبول» لأحد الأطراف، كي يتخلى عن ارتباطه بالبقية، ما يفقدها مركز قوة حاسم، يتيح إضعافها في مرحلة لاحقة.
وتعدّ هذه الاستراتيجيا إحدى البدائل التي حاولت مراكز البحث الإسرائيلية تسليكها، في المرحلة التي استشرف فيها الباحثون الإسرائيليون فشل الاستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وخاصة في أعقاب النتائج الفاشلة لحرب تموز 2006. تركّز البحث الإسرائيلي حينها، على حزب الله هدفاً نهائياً، وجرى التنظير لفك العلاقة القائمة بينه وبين سوريا، التي سمّاها عدد من البحّاثة الإسرائيليين «زواج المساكنة». إذ بحسب هؤلاء «لا أبعاد أيديولوجية، أو دينية تربط الطرفين، إضافةً إلى علمانية النظام السوري الذي لا يرفض التفاوض مع إسرائيل وإجراء تسوية معها». وبحسب المنطق نفسه، فإن «دفع ثمن» ما لدمشق، سواء أكان في الانسحاب من الجولان أم في تحسين الاقتصاد السوري، من شأنه أن يفك تماسك اللحمة القائمة بينها وبين حزب الله.
غاب عن «الطرح» الإسرائيلي في حينه، وهو ما سيجري تلمّسه في المرحلة الحالية والمقبلة، أن استراتيجيا اجتثاث «محور الشر» التي اتّبعتها الإدارة الأميركية السابقة، كان من شأنها أن تجمع كل الأطراف العاملة عليها، بما فيها محور «الاعتدال» العربي والدول الأوروبية، إضافةً إلى إسرائيل والولايات المتحدة، ذلك أن كل طرف يدرك دوره وفاعليته وقدرته على التأثير باتجاه الوصول إلى الهدف النهائي المشترك (الاجتثاث). فشل هذه الاستراتيجيا واختيار بدائل تسووية بدأت تظهر تباعاً، ومنها سحب عنصر من عناصر «محور الشر» لإضعاف العناصر الأخرى، قد يفضيان إلى تباين بين إسرائيل وحلفائها، نتيجة اختلاف الأولويات بينها، فما تراه بريطانيا والدول الأوروبية بحزب الله أو بسوريا أو حتى بإيران، منفردين، كـ«عناصر قابلة للتجزئة»، غير ما تراه الدول العربية «المعتدلة»، وغير ما تراه إسرائيل، بل أيضاً غير ما تراه الولايات المتحدة.
عليه، من المقدر أن يتلمّس الإسرائيلي، في المرحلة المقبلة، «تحركات» شبيهة بالتحرك البريطاني حيال حزب الله، قد تكون أكثر تسليماً بوجود الحزب وبدوره. ورغم أن إسرائيل ستراهن على فشل هذه الاستراتيجيا، وتراهن على العودة إلى الخيارات الأكثر انسجاماً مع رؤاها لمواجهة الأخطار الماثلة أمامها، فإن العودة إلى خيارات الماضي، في ظل الوقائع الميدانية والسياسية القائمة حالياً، هي عودة مستعصية، وخاصة أن إدارة بوش أحرقت معظم أوراق الضغط التي تملكها الولايات المتحدة كدولة عظمى، الأمر الذي يزيد في مراكمة ومضاعفة الأخطار على إسرائيل، مع قدرة محدودة على مواجهتها
يحي دبوق - "الأخبار"

ارسل تعليق

No comments found.

Search site

جميع الحفوف محفوظةali1.webnode.com